الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
تَفْصِيلًا وَهُوَ (مَا يُسْتَحَقُّ بَدَلُهُ) أَيْ الصَّيْدِ عَلَى مُتْلِفِهِ بِفِعْلٍ أَوْ سَبَبٍ (مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ الصَّيْدِ (وَمُقَارِبِهِ وَشِبْهِهِ) وَلَوْ أَدْنَى مُشَابَهَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَمِنْ قِيمَةِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ (وَيَجْتَمِعُ) عَلَى مُتْلِفِ صَيْدٍ (ضَمَانُ) قِيمَتِهِ لِمَالِكٍ (وَجَزَاءٌ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (فِي) صَيْدٍ (مَمْلُوكٍ) لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا فِيهِ كَالْعَبْدِ (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ (ضَرْبَانِ مَا) أَيْ ضَرْبٌ (لَهُ مِثْلٌ) أَيْ شَبِيهٌ (مِنْ النَّعَمِ) خِلْقَةً لَا قِيمَةً (فَيَجِبُ فِيهِ) ذَلِكَ الْمِثْلُ (نَصًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ (نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: مَا قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ) فَيَجِبُ فِيهِ مَا قَضَتْ بِهِ نَصًّا لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ، وَقَوْلُهُمْ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ. وَفِي الْخَبَرِ {اقْتَدُوا بِاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ} وَفِيهِ {أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} لَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ: لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَمَنْ ضَرَبَهُ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ، لَا يَتَكَرَّرُ الدِّينَارُ بِضَرْبٍ وَاحِدٍ (وَمِنْهُ) أَيْ مَا قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ (فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا (وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ) بَقَرَةٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ. (وَ) فِي (بَقَرِهِ) أَيْ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَ) فِي (أُيَّلٍ) بِوَزْنِ قُنَّبٍ وَخُلَّبٍ وَسُيَّدٍ وَهُوَ ذَكَرُ الْأَوْعَالِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ: بَقَرَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَ) فِي (ثيتل) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَعِلُ الْمَسُّ بَقَرَةٌ (وَ) فِي (وَعِلٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَعَ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِهَا تَيْسُ الْجَبَلِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الصِّحَاحِ: هُوَ الْأَرْوَى (بَقَرَةٌ) يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْأَرْوَى: بَقَرَةٌ (وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ) قَالَ الْإِمَامُ: حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ انْتَهَى. وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ (وَفِي غَزَالٍ شَاةٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَرَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا {فِي الظَّبْيِ شَاةٌ} قَالَهُ فِي شَرْحِهِ. وَفِي الْمُبْدِعِ: قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (وَفِي وَبْرٍ) بِسُكُونِ الْبَاءِ: جَدْيٌ وَهُوَ دُوَيْبَّةٍ كَحْلَاءَ دُونَ السِّنَّوْرِ لَا ذَنَبَ لَهَا (وَ) فِي (ضَبٍّ: جَدْيٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَأَرْبَدُ، وَالْوَبْرُ كَالضَّبِّ وَالْجَدْيُ الذَّكَرُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (وَفِي يَرْبُوعٍ: جَفْرَةٌ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ (وَفِي أَرْنَبٍ عَنَاقٌ) أَيْ أُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ أَصْغَرُ مِنْ الْجَفْرَةِ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ (وَفِي حَمَامٍ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ (وَهُوَ) أَيْ الْحَمَامُ (كُلُّ مَا عَبَّ الْمَاءَ) أَيْ مَا وَقَعَ مِنْقَارُهُ فِيهِ وَكَرَعَ كَمَا تَكْرَعُ الشَّاةُ وَلَا يَأْخُذُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَالدَّجَاجِ وَالْعَصَافِيرِ (وَهَدَرَ) أَيْ صَوَّتَ فَدَخَلَ فِيهِ فَوَاخِتُ وَوَرَاشِينُ وَقَطًا وَقُمْرِيٌّ وَدُبْسِيٌّ: طَائِرٌ لَوْنُهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ يُقَرْقِرُ، وَنَحْوِهَا (شَاةٌ) نَصًّا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ وَقِيسَ عَلَيْهِ حَمَامُ الْإِحْرَامِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى بِهِ فِي حَمَامِ الْإِحْرَامِ (النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ (وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (خَبِيرَيْنِ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِهِمَا فَيَحْكُمَانِ فِيهِ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ لَا الْقِيمَةُ كَقَضَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَقِيهًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ (وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقَاتِلِ) لِصَيْدٍ مَحْكُومٍ فِيهِ بِمِثْلٍ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْعَدْلَيْنِ (أَوْ هُمَا) فَيَحْكُمَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْمِثْلِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ " اُحْكُمْ يَا أَرْبَدُ فِيهِ " أَيْ الضَّبِّ الَّذِي وَطِئَهُ أَرْبَدُ فَغَرَزَ ظَهْرَهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلٍ) إنَّمَا يَحْكُمُ الْقَاتِلُ لِلصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ (خَطَأً أَوْ) قَتَلَهُ (لِحَاجَةِ) أَكْلِهِ (أَوْ) قَتَلَهُ (جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ) لِعَدَمِ إثْمِهِ إذَنْ قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (قَوِيٌّ وَلَعَلَّهُ) أَيْ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ (مُرَادُهُمْ) أَيْ الْأَصْحَابِ (لِأَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ يُنَافِي الْعَدَالَةَ) إنْ لَمْ يَتُبْ وَهِيَ شَرْطُ الْحُكْمِ (وَيُضْمَنُ صَغِيرٌ) بِمِثْلِهِ (وَكَبِيرٌ) بِمِثْلِهِ (وَصَحِيحٌ) بِمِثْلِهِ (وَمَعِيبٌ بِمِثْلِهِ (وَمَاخِضٌ) أَيْ حَامِلٌ مِنْ صَيْدٍ (بِمِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَمِثْلُ الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَمِثْلُ الْمَعِيبِ مَعِيبٌ وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالصِّغَرِ وَالْعَيْبِ وَغَيْرِهِمَا كَالْبَهِيمَةِ وقَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى إيجَابِ مَا لَا يَصْلُحُ هَدْيًا، كَالْجَفْرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ وَإِنْ فُدِيَ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَعِيبُ بِكَبِيرٍ صَحِيحٍ كَانَ أَفْضَلَ (وَيَجُوزُ فِدَاءُ) صَيْدٍ (أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ) يُمْنَى أَوْ يُسْرَى. (وَ) فِدَاءُ صَيْدٍ (أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ) يُمْنَى أَوْ يُسْرَى (بِ) مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ (أَعْوَرُ) عَنْ الْأَعْوَرِ مِنْ أُخْرَى، كَفِدَاءِ أَعْوَرِ يَمِينٍ بِأَعْوَرِ يَسَارٍ وَعَكْسِهِ. (وَ) أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِمِثْلِهِ (أَعْرَجَ مِنْ) قَائِمَةٍ (أُخْرَى) كَأَعْرَجِ يَمِينٍ بِأَعْرَجِ يَسَارٍ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يَسِيرٌ، وَنَوْعُ الْعَيْبِ وَاحِدٌ وَالْمُخْتَلِفُ مَحِلُّهُ (وَ) يَجُوزُ فِدَاءُ (ذَكَرٍ بِأُنْثَى) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ فِدَائِهِ بِذَكَرٍ، كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ. (وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) أَيْ فِدَاءُ أُنْثَى بِذَكَرٍ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ و(لَا) يَجُوزُ فِدَاءُ (أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا اخْتَلَفَ نَوْعُ عَيْبِهِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ الصَّيْدِ (مَا لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ (وَهُوَ بَاقِي الطَّيْرِ، وَ) يَجِبُ (فِيهِ وَلَوْ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ) كَإِوَزٍّ (قِيمَتُهُ مَكَانَهُ) أَيْ الْإِتْلَافِ، كَإِتْلَافِ مَالِ آدَمِيٍّ.
وَإِنْ أَتْلَفَ مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ (جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ فَانْدَمَلَ) جُرْحُهُ (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ (مُمْتَنِعٌ وَلَهُ) أَيْ الصَّيْدُ (مِثْلٌ) مِنْ النَّعَمِ (ضَمِنَ) الْجَزَاءَ الْمُتْلِفُ (بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ (لَحْمًا) كَأَصْلِهِ وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ؛ لِجَوَازِ عُدُولِهِ إلَى الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ (فَ) إنَّهُ يَضْمَنُهُ (بِنَقْصِهِ مِنْ قِيمَتِهِ) لِضَمَانِ جُمْلَتِهِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَا جُزْؤُهُ (وَإِنْ جَنَى) مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ (عَلَى حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَهَا) أَيْ الْأُمِّ (فَقَطْ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا) لِأَنَّ الْحَمْلَ زِيَادَةٌ فِي الْبَهَائِمِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ جَمَاعَةٌ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، وَإِلَّا فَكَالْمَيِّتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَمَا أَمْسَكَهُ) مُحْرِمٌ مِنْ صَيْدٍ (فَتَلِفَ فَرْخُهُ) أَوْ وَلَدُهُ ضَمِنَهُ (أَوْ نَفَرَ) مِنْ صَيْدٍ (فَتَلِفَ) حَالَ نُفُورِهِ وَلَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (أَوْ نَقَصَ حَالَ نُفُورِهِ ضَمِنَهُ) لِحُصُولِ تَلَفِهِ أَوْ نَقْصِهِ بِسَبَبٍ، لَا إنْ تَلِفَ بَعْدَ أَمْنِهِ (وَإِنْ جَرَحَهُ) أَيْ الصَّيْدَ جُرْحًا (غَيْرَ مُوحٍ، فَغَابَ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ) ضَمِنَهُ بِمَا نَقَصَهُ (أَوْ وَجَدَهُ) أَيْ الصَّيْدَ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ (مَيِّتًا وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِجِنَايَتِهِ قُوِّمَ) الصَّيْدُ (صَحِيحًا وَجَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ ثُمَّ يُخْرَجُ بِقِسْطِهِ مِنْ مِثْلِهِ) فَإِنْ نَقَصَ رُبْعًا أُخْرِجَ رُبْعٌ مِثْلُهُ أَوْ سُدُسًا أُخْرِجَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فُعِلَ بِأَرْشِهِ مَا يُفْعَلُ بِقِيمَةِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ جِنَايَتَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِفِعْلِهِ (وَإِنْ وَقَعَ) صَيْدٌ جَرَحَهُ (فِي مَاءٍ) يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ أَوْ لَا، فَمَاتَ ضَمِنَهُ (أَوْ تَرَدَّى) صَيْدٌ جَرَحَهُ مِنْ عُلُوٍّ (فَمَاتَ ضَمِنَهُ) جَارِحُهُ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ. (وَ) يَجِبُ (فِيمَا انْدَمَلَ) جُرْحُهُ مِنْ الصُّيُودِ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ) مِنْ قَاصِدِهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ (أَوْ) جُرِحَ (جُرْحًا مُوحِيًا) لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ غَالِبًا (جَزَاءُ جَمِيعِهِ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ نَتَفَ) مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ (رِيشَهُ) أَيْ الصَّيْدِ (أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبَرَهُ فَعَادَ فَلَا شَيْءَ) عَلَيْهِ (فِيهِ) لِزَوَالِ نَقْصِهِ (وَإِنْ صَارَ) الصَّيْدُ بِمَا ذُكِرَ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَكَجُرْحٍ) صَارَ بِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ وَإِنْ نَتَفَهُ فَغَابَ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ (وَكُلَّمَا قَتَلَ) مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ (صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَعُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حَكَمُوا فِي الْخَطَإِ وَفِيمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ هَلْ كَانَ قَتْلٌ أَوْ لَا؟ وَذَكَرَ فِي الْعُقُوبَةِ قَوْلَهُ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ (وَعَلَى جَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ صَيْدٍ وَاحِدٍ جَزَاءٌ وَاحِدٌ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ سَوَاءٌ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْآيَةِ وَالْجَمَاعَةُ إنَّمَا قَتَلُوا صَيْدًا وَاحِدًا فَلَزِمَهُمْ مِثْلُهُ وَإِذَا اتَّحَدَ الْجَزَاءُ فِي الْمِثْلِ اتَّحَدَ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَالْجَزَاءُ بَيْنَ مُحْرِمٍ وَحَلَالٍ قَتَلَا صَيْدًا بِالْحَرَمِ نِصْفَيْنِ وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْجَزَاءِ بَعْدَ الْجَرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ.
أَيْ حُكْمُ ذَلِكَ (وَحُكْمُ صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ حُكْمُ صَيْدِ الْإِحْرَامِ) فَيَحْرُمُ حَتَّى عَلَى مُحَلٍّ إجْمَاعًا لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: {إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} الْحَدِيثَ، وَفِيهِ {وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ بَرِّيَّهُ بِالْجَزَاءِ نَصًّا، لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَيَدْخُلُهُ الصَّوْمُ، كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ وَصَغِيرٌ وَكَافِرٌ كَغَيْرِهِمَا (حَتَّى فِي تَمَلُّكِهِ) فَلَا يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إرْثٍ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْحَرَمَ (يَحْرُمُ صَيْدُ بَحْرِيِّهِ) أَيْ الْحَرَمِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (وَلَا جَزَاءَ فِيهِ) أَيْ صَيْدِ بَحْرٍ بِالْحَرَمِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَإِنْ قَتَلَ مُحِلٌّ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ كُلِّهِ أَوْ جُزْئِهِ) ضَمِنَهُ لِعُمُومِ {وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا} وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ و(لَا) يَضْمَنُهُ مُحِلٌّ قَتَلَهُ إنْ كَانَ بِالْحَرَمِ (غَيْرُ قَوَائِمِهِ) أَيْ الصَّيْدِ (قَائِمًا) كَذَنَبِهِ وَرَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي الْحِلِّ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، كَشَجَرَةٍ أَصْلُهَا بِالْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا بِالْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ أَوْ ذَنَبُهُ بِالْحَرَمِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فَقَتَلَهُ (بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا ضَمِنَهُ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ (أَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ أَنَّ أَصْلَهُ فِي الْحِلِّ) ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ (أَوْ أَمْسَكَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (بِالْحِلِّ فَهَلَكَ فَرْخُهُ) بِالْحَرَمِ (أَوْ) هَلَكَ (وَلَدُهُ بِالْحَرَمِ ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فِي الْحِلِّ مُحِلٌّ بِالْحَرَمِ وَلَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (عَلَى غُصْنٍ) فِي هَوَاءِ الْحِلِّ (أَصْلُهُ) أَيْ الْغُصْنِ (بِالْحَرَمِ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ أَوْ أَمْسَكَهُ) أَيْ الصَّيْدَ حَلَالٌ (بِالْحَرَمِ فَهَلَكَ فَرْخُهُ) فِي الْحِلِّ (أَوْ) هَلَكَ (وَلَدُهُ بِالْحِلِّ) لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ (أَوْ أَرْسَلَ) حَلَالٌ (كَلْبَهُ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ بِهِ) أَيْ الْحِلِّ (فَقَتَلَهُ) أَيْ الصَّيْدَ الَّذِي كَانَ بِالْحِلِّ فِي الْحَرَمِ (أَوْ) قَتَلَ (غَيْرَهُ) أَيْ الَّذِي أَرْسَلَ عَلَيْهِ الْكَلْبَ (فِي الْحَرَمِ) لَمْ يَضْمَنْ (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ) بِأَنْ رَمَى مُحِلٌّ بِهِ صَيْدًا بِالْحِلِّ (فَشَطَحَ) السَّهْمُ (فَقَتَلَ) صَيْدًا (فِي الْحَرَمِ) لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ وَلَمْ يُرْسِلْ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِالْحَرَمِ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْكَلْبُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا سَهْمُهُ إذَا شَطَحَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (أَوْ دَخَلَ سَهْمُهُ) أَيْ الرَّامِي لِصَيْدٍ فِي الْحِلِّ (أَوْ) دَخَلَ (كَلْبُهُ الْحَرَمَ ثُمَّ خَرَجَ) مِنْهُ (فَقَتَلَ صَيْدًا أَوْ جَرَحَهُ مُحَلٌّ بِالْحِلِّ) ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ (فَمَاتَ بِالْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْجَرْحَ بِالْحِلِّ (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ) الصَّيْدُ فِي إحْرَامِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ، وَإِنْ رَمَاهُ حَلَالًا ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ ضَمِنَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ (وَلَا يَحِلُّ مَا) أَيْ صِيدَ (وُجِدَ سَبَبُ مَوْتِهِ بِالْحَرَمِ) تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ كَمَا لَوْ وُجِدَ سَبَبُهُ فِي الْإِحْرَامِ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَيَحِلُّ مَا جَرَحَهُ مَنْ بِالْحِلِّ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحَرَمِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ.
وَيَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِهِ أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي لَمْ يَزْرَعْهُ آدَمِيٌّ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا}. (وَ) يَحْرُمُ قَلْعُ (حَشِيشِهِ) أَيْ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا يُحَشُّ حَشِيشُهَا} (حَتَّى الشَّوْكُ وَلَوْ ضَرَّ) لِعُمُومِ {لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا}. (وَ) حَتَّى (السِّوَاكُ وَنَحْوَهُ وَالْوَرَقُ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الشَّجَرِ (إلَّا الْيَابِسَ) مَنْ شَجَرٍ وَحَشِيشٍ لِأَنَّهُ كَمَيِّتٍ. (وَ) إلَّا (الْإِذْخِرَ) لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ {يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ} وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَالْقَيْنُ الْحَدَّادُ (وَ) إلَّا (الْكَمْأَةَ وَالْفَقْعَ) مَعْرُوفَانِ لِأَنَّهُمَا لَا أَصْلَ لَهُمَا (وَ) إلَّا (الثَّمَرَةَ) لِأَنَّهَا تَسْتَخْلِفُ (وَ) إلَّا (مَا زَرَعَهُ) آدَمِيٌّ مِنْ زَرْعٍ وَبَقْلٍ وَرَيَاحِينَ إجْمَاعًا نَصًّا (حَتَّى مِنْ الشَّجَرِ) لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ كَزَرْعٍ وَعَوْسَجٍ وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْأَصْلِ كَالْأَنْعَامِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا} الْمُرَادُ: مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا يُضَافُ إلَى مَالِكِهِ (وَيُبَاحُ رَعْيُ حَشِيشَةِ) أَيْ الْحَرَمِ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تَدْخُلُ الْحَرَمَ فَتَكْثُرُ فِيهِ وَلَمْ يُنْقَلْ سَدُّ أَفْوَاهِهَا وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَشْبَهَ قَطْعَ الْإِذْخِرِ بِخِلَافِ الِاحْتِشَاشِ لَهَا (وَ) يُبَاحُ (انْتِفَاعٌ بِمَا زَالَ) مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ (أَوْ انْكَسَرَ مِنْهُ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ وَلَوْ لَمْ يَبِنْ) أَيْ يَنْفَصِلْ لِتَلَفِهِ فَصَارَ كَالظُّفْرِ الْمُنْكَسِرَةِ فَإِنْ قَطَعَهُ آدَمِيٌّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كَصَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ (وَتُضْمَنُ شَجَرَةٌ) قُلِعَتْ أَوْ كُسِرَتْ (صَغِيرَةً عُرْفًا بِشَاةٍ وَ) يُضْمَنُ (مَا فَوْقَهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ مِنْ الشَّجَرِ، وَهِيَ الْمُتَوَسِّطَةُ وَالْكَبِيرَةُ (بِبَقَرَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فِي الدَّوْحَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الْجِذْلَةِ شَاةٌ " قَالَ: وَالدَّوْحَةُ: الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ وَالْجِذْلَةُ الصَّغِيرَةُ (وَيُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ فَيَذْبَحُهَا وَيُفَرِّقُهَا أَوْ يُطْلِقُهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (وَبَيْنَ تَقْوِيمِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ بِدَرَاهِمَ (وَيَفْعَلُ بِقِيمَتِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ) بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا. (وَ) يُضْمَنُ (حَشِيشٌ وَوَرَقٌ بِقِيمَتِهِ) نَصًّا لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ وَيَفْعَلُ بِقِيمَتِهِ كَمَا سَبَقَ. (وَ) يُضْمَنُ (غُصْنٌ بِمَا نَقَصَ) كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ وَكَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَالِ آدَمِيٍّ فَنَقَصَ وَيُفْعَلُ بِأَرْشِهِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ اسْتَخْلَفَ شَيْءٌ مِنْهَا) أَيْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ وَالْوَرَقِ وَنَحْوِهِ (سَقَطَ ضَمَانُهُ) كَرِيشِ صَيْدٍ نَتَفَهُ وَعَادَ (كَرَدِّ شَجَرَةٍ فَتَنْبُتُ وَيُضْمَنُ نَقْصُهَا) أَيْ الْمَرْدُودَةِ إنْ نَقَصَتْ بِالرَّدِّ (وَلَوْ) قَلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ (غَرَسَهَا فِي الْحِلِّ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا أَوْ يَبِسَتْ ضَمِنَهَا) لِإِتْلَافِهَا (فَلَوْ قَلَعَهَا) أَيْ الْمَنْقُولَةَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ (غَيْرُهُ) أَيْ الْغَارِسِ لَهَا بِالْحِلِّ (ضَمِنَهَا) الْقَالِعُ (وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهَا (وَيَضْمَنُ مُنَفِّرٌ صَيْدًا) مِنْ الْحَرَمِ (قُتِلَ بِالْحِلِّ) لِتَفْوِيتِهِ حُرْمَتَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ بِالْحِلِّ (وَكَذَا مُخْرِجُهُ) أَيْ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ، فَيُقْتَلُ بِهِ فَيَضْمَنُهُ (إنْ لَمْ يَرُدَّهُ) إلَى الْحَرَمِ فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ وَالْفَرْقُ: أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ وَلَا تَزُولُ حُرْمَتُهُ بِإِخْرَاجِهِ وَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى مُخْرِجِهِ فَكَانَ جَزَاؤُهُ عَلَى مُتْلِفِهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّ تَنْفِيرَهُ يُفَوِّتُ حُرْمَتَهُ بِإِخْرَاجِهِ فَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ (فَلَوْ فَدَاهُ) أَيْ الصَّيْدَ الَّذِي نَفَّرَهُ أَوْ أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ (ثُمَّ وَلَدَ) الصَّيْدُ وَقُتِلَ وَلَدُهُ (لَمْ يَضْمَنْ) مُنَفِّرٌ أَوْ مُخْرِجٌ (وَلَدَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ (وَيُضْمَنُ غُصْنٌ) فِي هَوَاءِ الْحِلِّ (أَصْلُهُ) أَيْ الْغُصْنِ فِي الْحَرَمِ (أَوْ بَعْضُ أَصْلِهِ بِالْحَرَمِ) لِتَبَعِيَّتِهِ لِأَصْلِهِ، و(لَا) يَضْمَنُ (مَا) قَطَعَهُ مِنْ غُصْنٍ (بِهَوَاءِ الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ بِالْحِلِّ) لِمَا سَبَقَ (وَكُرِهَ إخْرَاجُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَإِخْرَاجُ حِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ) نَصًّا قَالَ: لَا يُخْرِجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَلَا يُدْخِلُ مِنْ الْحِلِّ، كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يُخْرِجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ، وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ كَرَاهَةً و(لَا) يُكْرَهُ إخْرَاجُ (مَاءِ زَمْزَمَ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ عَائِشَةَ {أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ} وَلِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ كَالثَّمَرَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ: أَخْرَجَهُ كَعْبٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (وَلَا) يُكْرَهُ (وَضْعُ الْحَصَا بِالْمَسَاجِدِ) كَمَا فِي مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَهُ وَبَعْدَهُ (وَيَحْرُمُ إخْرَاجُ تُرَابِهَا) أَيْ الْمَسَاجِدِ (وَ) إخْرَاجُ (طِيبِهَا) فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِتَبَرُّكٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْمَوْقُوفِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِطِيبِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَيَلْزِقُ عَلَيْهَا طِيبًا مِنْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ.
وَحَدُّ حَرَمِ مَكَّةَ (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا) وَيُقَالُ: بُيُوتُ نِفَارٍ، بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ فَاءٍ، دُونَ التَّنْعِيمِ (وَ) حَدُّهُ (مِنْ الْيَمَنِ: سَبْعَةُ) أَمْيَالٍ (عِنْدَ أَضَاةِ لِبْنٍ) أَضَاةُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ قَنَاةٍ وَلِبْنٍ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ. (وَ) حَدُّهُ (مِنْ الْعِرَاقِ كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ (عَلَى ثَنِيَّةِ رِجْلٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (جَبَلٌ) بِالْمُنْقَطِعِ (وَ) حَدُّهُ (مِنْ الطَّائِفِ وَبَطْنِ نَمِرَةَ كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ (عَنْهُ طَرَفُ عَرَفَةَ وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ) أَمْيَالٍ فِي (شِعْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ) وَحَدُّهُ (مِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ: عَشَرَةُ) أَمْيَالٍ (عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْأَعْشَاشِ) بِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ، جَمْعُ عُشٍّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. (وَ) حَدُّهُ (مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ: أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا) وَعَلَى تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ، لَمْ تَزَلْ مَعْلُومَةً (وَحُكْمُ وَجٍ وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ: كَغَيْرِهِ مِنْ الْحِلِّ) فَيُبَاحُ صَيْدُهُ وَشَجَرُهُ وَحَشِيشُهُ بِلَا ضَمَانٍ وَالْخَبَرُ فِيهِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْأَزْدِيُّ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزُورَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ {وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْفُنُونِ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ فَأَمَّا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ بِالْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ (وَتُضَاعَفُ السَّيْئَةُ وَالْحَسَنَةُ بِمَكَانٍ) فَاضِلٍ (وَزَمَانٍ فَاضِلٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ أَحْمَدُ: هَلْ تُكْتَبُ السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ قَالَ: لَا، إلَّا بِمَكَّةَ؛ لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَنَ وَهَمَّ أَنْ يَقْتُلَ عِنْدَ الْبَيْتِ، أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
وَيَحْرُمُ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَتُسَمَّى: طِيبَةَ وَطَابَةَ لِلْخَبَرِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُسَمَّى يَثْرِبَ وَإِنْ صَادَهُ وَذَبَحَهُ صَحَّتْ تَذْكِيَتُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ (وَ) يَحْرُمُ (قَلْعُ شَجَرِهِ وَحَشِيشِهِ) لِحَدِيثِ {إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَدَعَوْت فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا لِحَاجَةِ الْمَسَانِدِ وَالْحَرْثِ وَالرَّحْلِ) مِنْ الشَّجَرِ. (وَ) إلَّا (الْعَلَفَ) مِنْ الْحَشِيشِ (وَنَحْوِهَا) مِمَّا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ وَأَصْحَابُ نَضْحٍ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا فَرَخِّصْ لَنَا فَقَالَ: الْقَائِمَتَانِ وَالْوِسَادَةُ وَالْعَارِضَةُ وَالْمَسْنَدُ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُعْضَدُ وَلَا يُخْبَطُ مِنْهَا شَيْءٌ} وَالْمَسْنَدُ: عُودُ الْبَكَرَةِ، وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا {الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلَى ثَوْرٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَمَنْ أَدْخَلَهَا) أَيْ الْمَدِينَةَ (صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ) نَصًّا لِحَدِيثِ {يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟} بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا جَزَاءَ فِيمَا حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ صَيْدِهَا وَشَجَرِهَا وَحَشِيشِهَا قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَمُوا فِيهِ بِجَزَاءٍ (وَحَرَمُهَا: بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ) نَصًّا وَهُوَ (مَا بَيْنَ ثَوْرٍ) وَهُوَ (جَبَلٌ صَغِيرٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ) أَيْ لَا اسْتِطَالَةَ فِيهِ وَهُوَ ( خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ وَعِيرٌ) وَهُوَ (جَبَلٌ مَشْهُورٌ بِهَا) أَيْ الْمَدِينَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا {حَرَمُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عِيرٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ) أَيْ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللَّابَةُ: الْحَرَّةُ أَيْ أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ (وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ والْحِمَى: الْمَكَانُ الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّعْيِ.
(يُسَنُّ) دُخُولُهَا (نَهَارًا) لِلْخَبَرِ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْ لَيْلًا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ السُّرَّاقِ (مِنْ أَعْلَاهَا) أَيْ مَكَّةَ (مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِّ، مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ مَصْرُوفٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَطَالِعِ وَالثَّنِيَّةُ: طَرِيقٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (وَسُنَّ خُرُوجٌ مِنْ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى) بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّنْوِينِ، عِنْدَ ذِي طُوًى، بِقُرْبِ شِعْبِ الشَّافِعِيِّينَ (وَسُنَّ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ ارْتِفَاعَ الضُّحَى وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عِنْدَ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ ثُمَّ دَخَلَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ (فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ) نَصًّا لِحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ} وَأَمَّا إنْكَارُ جَابِرٍ لَهُ، فَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ (وَقَالَ) بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبِّنَا بِالسَّلَامِ) رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُهُ وَالسَّلَامُ الْأَوَّلُ اسْمُهُ تَعَالَى، وَالثَّانِي مَنْ أَكْرَمْته بِالسَّلَامِ؛ أَيْ التَّحِيَّةِ، وَالثَّالِثُ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الْآفَاتِ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا) أَيْ تَبْجِيلًا (وَتَشْرِيفًا) أَيْ رِفْعَةً وَإِعْلَاءً (وَتَكْرِيمًا) تَفْضِيلًا (وَمَهَابَةً) تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا (وَبِرًّا) بِكَسْرِ الْبَاءِ، هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ (وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اللَّهُمَّ إنَّك دَعَوْتَ إلَى حَجِّ بَيْتِك الْحَرَامِ) سُمِّيَ بِهِ لِانْتِشَارِ حُرْمَتِهِ وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِهِ سَائِرُ الْحُرُمِ (وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي وَاعْفُ عَنِّي وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ (يَرْفَعُ بِذَلِكَ) الدُّعَاءِ (صَوْتَهُ) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ أَشْبَهَ التَّلْبِيَةَ (ثُمَّ يَطُوفُ مُتَمَتِّعٌ لِلْعُمْرَةِ وَ) يَطُوفُ (مُفْرِدٌ) لِلْقُدُومِ (وَ) يَطُوفُ (قَارِنٌ لِلْقُدُومِ وَهُوَ الْوُرُودُ) فَتُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالطَّوَافِ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ تَحِيَّةُ الْكَعْبَةِ، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الصَّلَاةُ وَيُجْزِئُ عَنْهَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ {حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا} وَعَنْ عَائِشَةَ " حِينَ {قَدِمَ مَكَّةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ الْبَيْتَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (وَيَضْطَبِعُ) اسْتِحْبَابًا (غَيْرُ حَامِلِ مَعْذُورٍ) يَحْمِلُهُ بِرِدَائِهِ (فِي كُلِّ أُسْبُوعِهِ) نَصًّا بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ مُضْطَبِعًا} وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى} وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَزَالَهُ (وَ يَبْتَدِئُهُ) أَيْ الطَّوَافَ (مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُحَاذِيهِ) أَيْ الْحَجَرَ طَائِفٌ بِكُلِّ بَدَنِهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ (أَوْ) يُحَاذِي (بَعْضَهُ) أَيْ الْحَجَرِ (بِكُلِّ بَدَنِهِ) لِأَنَّ مَا لَزِمَ اسْتِقْبَالُهُ لَزِمَ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْقِبْلَةِ (وَيَسْتَلِمُهُ) أَيْ يَمْسَحُ الْحَجَرَ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى) وَالِاسْتِلَامُ مِنْ السَّلَامِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ بِالِاسْتِلَامِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا {أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ} وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَيُقَبِّلُهُ) بِلَا صَوْتٍ يَظْهَرُ لِلْقُبْلَةِ لِحَدِيثِ عُمَرَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقَلَّ الْحَجَرَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَإِذَا شَقَّ) لِنَحْوِ زِحَامٍ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ (لَمْ يُزَاحِمْ وَاسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ وَقَبَّلَهَا) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا شَقَّ) اسْتِلَامُهُ بِيَدِهِ (فَ) إنَّهُ يَسْتَلِمُهُ (بِشَيْءٍ وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَإِذَا شَقَّ) عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ (أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ بِشَيْءٍ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَتَى الْحَجَرَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ} (وَلَا يُقَبِّلُهُ) أَيْ مَا أَشَارَ بِهِ إلَيْهِ (وَاسْتَقْبَلَهُ) أَيْ الْحَجَرَ، إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ (بِوَجْهِهِ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك، وَوَفَاءً بِعَهْدِك، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُهُ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ} (ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ كَذَلِكَ وَقَالَ: {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَلْيُقَرِّبْ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ لِلْبَيْتِ فَأَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ يُسَمَّى الشَّامِيُّ، وَهُوَ جِهَةُ الشَّامِ ثُمَّ الْغَرْبِيُّ، وَهُوَ جِهَةُ الْمَغْرِبِ ثُمَّ الْيَمَانِيُّ، جِهَةُ الْيَمَنِ (وَيُرْمِلُ طَائِفٌ مَاشِيًا غَيْرَ حَامِلِ مَعْذُورٍ وَ) غَيْرُ (نِسَاءٍ، وَ) غَيْرُ (مُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبَهَا فَيُسْرِعُ الْمَشْيَ، وَيُقَارِبُ الْخُطَى) جَمْعُ خُطْوَةٍ (فِي ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ بَعْدَهَا يَمْشِي أَرْبَعَةَ) أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْهُ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ بِأَحَادِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {رَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَرِهِ كُلِّهَا وَفِي حَجِّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيَكُونُ الرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ (وَلَا يَقْضِي فِيهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ (رَمَلَ فَاتَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فَاتَ مَوْضِعُهَا فَسَقَطَ كَالْجَهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ مِنْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ وَلِئَلَّا يَفُوتَهُ هَيْئَةُ الْمَشْيِ فِيهَا وَإِنْ تَرَكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَتَى بِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا. (وَ) مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّمَلِ مَعَ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ لِلزِّحَامِ وَأَمْكَنَهُ الرَّمَلُ إنْ طَافَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ فَ (الرَّمَلُ) فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ (أَوْلَى لَهُ مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ) لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الْعِبَادَةِ، أَهَمُّ مِنْ فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا (وَالتَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ لِزَوَالِ الزِّحَامِ (لَهُ) أَيْ الرَّمَلِ (أَوْ لِلدُّنُوِّ) مِنْ الْبَيْتِ، أَيْ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِمَا (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِ الطَّوَافِ مَعَ فَوَاتِ أَحَدِهِمَا لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ (وَكُلَّمَا حَاذَى) طَائِفٌ (الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا) نَدْبًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ فِي طَوَافِهِ}. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَكِنْ لَا يُقَبِّلُ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا) أَيْ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إنْ شَقَّ اسْتِلَامُهُمَا و(لَا) يُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ (الشَّامِيِّ وَهُوَ أَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ وَلَا) اسْتِلَامُ الرُّكْنِ (الْغَرْبِيِّ وَهُوَ مَا يَلِيهِ) أَيْ الشَّامِيِّ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَقَالَ: مَا أَرَاهُ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ، إلَّا لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ إلَّا لِذَلِكَ} وَأَيْضًا فَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ اسْتِلَامَهُمَا وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فَقَالَ مُعَاوِيَةُ " صَدَقْت " (وَيَقُولُ) طَائِفٌ كُلَّمَا (حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ) فَقَطْ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ بِيَدِهِ وَكَبَّرَ} (وَ) يَقُولُ (بَيْنَ) الرُّكْنِ (الْيَمَانِيِّ وَبَيْنَهُ) أَيْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ فِي الْمَنَاسِكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {وُكِّلَ بِهِ - يَعْنِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ - سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا: آمِينَ} (وَيَقُولُ فِي بَقِيَّةِ طَوَافِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الْأَقْوَمَ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ: " رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي " وَعَنْ عُرْوَةَ {كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَ مَا أَمَتَّ} (وَيَدْعُو وَيَذْكُرُ بِمَا أَحَبَّ) وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدَعُ الْحَدِيثِ، إلَّا ذِكْرًا أَوْ قِرَاءَةً، أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِحَدِيثِ {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ} (وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِيهِ) أَيْ الطَّوَافِ نَصًّا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا الْجَهْرُ بِهَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ أَيْضًا: جِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ (وَلَا يُسَنُّ رَمَلٌ، وَلَا اضْطِبَاعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِيهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا فِيهِ لَمْ يَقْضِهِمَا فِيمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ هَيْئَةُ عِبَادَةٍ لَا تُقْضَى فِي عِبَادَةٍ أُخْرَى (وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لَمْ يُجْزِهِ) طَوَافُهُ كَذَلِكَ (إلَّا) إنْ كَانَ رُكُوبُهُ أَوْ حَمْلُهُ (لِعُذْرٍ) لِحَدِيثِ {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ} وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ هَذَا مُحَمَّدٌ حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْبُيُوتِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يُجْزِئُ) الطَّوَافُ (عَنْ حَامِلِهِ) أَيْ الْمَعْذُورِ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الْفِعْلُ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَوُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ إلَّا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ (إلَّا إنْ نَوَى) حَامِلٌ الطَّوَافَ (وَحْدَهُ) أَيْ دُونَ الْمَحْمُولِ (أَوْ نَوَيَا) أَيْ الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ (جَمِيعًا) الطَّوَافَ (عَنْهُ) أَيْ الْحَامِلِ فَيُجْزِئُ عَنْهُ لِخُلُوصِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا لِلْحَامِلِ (وَ) حُكْمُ سَعْيٍ (رَاكِبًا كَطَوَافٍ) رَاكِبًا نَصًّا فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا لِعُذْرٍ (وَإِنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ) تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ، كَصَلَاتِهِ إلَيْهَا (أَوْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ) أَيْ مُقَارِنَةٍ لِلطَّوَافِ (لَا حُكْمِيَّةٍ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ) فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ - كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً (قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ) وَالنِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ: أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلُ، وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهَا وَهُوَ مَعْنَى اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ (وَيُجْزِئُ طَوَافٌ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ) نَحْوِ قُبَّةٍ و(لَا) يُجْزِئُ طَوَافُهُ (خَارِجَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ (أَوْ مُنَكِّسًا) أَيْ لَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَطَافَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ فِي طَوَافِهِ وَقَالَ: {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} (وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ طَافَ الْقَهْقَرَى فَلَا يُجْزِئُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) طَافَ (عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَلَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَالْحِجْرُ مِنْهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {هُوَ مِنْ الْبَيْتِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ) طَافَ عَلَى (شَاذَرْوَانَ الْكَعْبَةِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ مَا فَضَلَ عَنْ جِدَارِهَا أَيْ عَرْضًا، فَلَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ: فَإِذَا لَمْ يَطُفْ بِهِ لَمْ يَطُفْ بِكُلِّ الْبَيْتِ وَإِنْ مَسَّ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ، صَحَّ طَوَافُهُ (أَوْ) طَافَ طَوَافًا (نَاقِصًا، وَلَوْ) نَقْصًا (يَسِيرًا) فَلَا يُجْزِئُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ وَالشَّاذَرْوَانِ: مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (أَوْ) طَافَ (بِلَا نِيَّةٍ) لَمْ يُجْزِئْهُ، لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} وَكَالصَّلَاةِ (أَوْ) طَافَ (عُرْيَانًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (أَوْ) طَافَ (مُحْدِثًا) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ (أَوْ) طَافَ (نَجِسًا) لِحَدِيثِ {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ {افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ} وَيَلْزَمُ النَّاسَ انْتِظَارُ حَائِضٍ فَقَطْ إنْ أَمْكَنَ وَيُسَنُّ فِعْلُ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ عَلَى طَهَارَةٍ. (وَ) إنْ طَافَ مُحْرِمٌ (فِيمَا لَا يَحِلُّ لِمُحْرِمٍ لُبْسُهُ) كَذَكَرٍ فِي مَخِيطٍ أَوْ مُطَيَّبٍ (يَصِحُّ طَوَافُهُ) لِعَوْدِ النَّهْيِ لِخَارِجٍ (وَيَفْدِي) لِفِعْلِ الْمَحْظُورِ (وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ لِحَدَثٍ فِيهِ) تَعَمَّدَهُ أَوْ سَبَقَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَطَهَّرَ كَالصَّلَاةِ (وَيَبْتَدِئُهُ لِقَطْعٍ طَوِيلٍ) عُرْفًا لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَى طَوَافَهُ وَقَالَ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} (وَإِنْ كَانَ قَطَعَهُ يَسِيرًا أَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةٌ) وَهُوَ فِي الطَّوَافِ (أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَهُوَ فِيهِ صَلَّى وَبَنَى) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ طَوَافِهِ لِحَدِيثِ {إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ} وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ تَفُوتُ بِالتَّشَاغُلِ وَيَبْتَدِئُ الشَّوْطَ (مِنْ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (فَلَا يَعْتَدُّ بِبَعْضِ شَوْطٍ قَطَعَ فِيهِ) قَالَهُ أَحْمَدُ وَكَذَا السَّعْيُ وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِطَوَافٍ: عَقْلٌ وَنِيَّةٌ وَسَتْرُ عَوْرَةٍ، وَطَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ لِغَيْرِ طِفْلٍ لَا يُمَيِّزُ، وَطَهَارَةٌ مِنْ خَبَثٍ، وَإِكْمَالُ السَّبْعِ، وَجَعْلُ الْبَيْتِ فِيهِ عَنْ يَسَارِهِ، وَكَوْنُهُ مَاشِيًا مَعَ قُدْرَةٍ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُ، وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِحَيْثُ يُحَاذِيهِ وَكَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَخَارِجَ الْبَيْتِ جَمِيعَهُ (فَإِذَا تَمَّ) طَوَافُهُ (تَنَفَّلَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ {ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ} الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُهُ وَلَا مَسْحُهُ فَسَائِرُ الْمَقَامَاتِ أَوْلَى وَكَذَا صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ) سُورَةَ (الْإِخْلَاصِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) لِلْخَبَرِ (وَتُجْزِئُ مَكْتُوبَةٌ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (وَيُسَنُّ عَوْدُهُ) بَعْدَ الصَّلَاةِ (إلَى الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (فَيَسْتَلِمُهُ) نَصًّا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ جَابِرٌ فِي صِفَةِ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) يُسَنُّ (الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ كُلَّ وَقْتٍ) لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ نَصَّ أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وَلَهُ) أَيْ الطَّائِفِ (جَمْعُ أَسَابِيعَ بِرَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ) مِنْ تِلْكَ الْأَسَابِيعِ فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَكَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ لَا يُوجِبُ كَرَاهَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ أُسْبُوعَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةً وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ صَلَّاهُمَا بِذِي طُوًى، وَأَخَّرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ الرَّكْعَتَيْنِ حِينَ طَافَتْ رَاكِبَةً بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْكَعَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَهُ (وَ) لِلطَّائِفِ (تَأْخِيرُ سَعْيِهِ عَنْ طَوَافِهِ بِطَوَافِ غَيْرِهِ) فَلَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَيَسْعَى آخِرَهُ (وَإِنْ فَرَغَ مُتَمَتِّعٌ) مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ (ثُمَّ عَلِمَ أَحَدَ طَوَافَيْهِ) لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ كَانَ (بِلَا طَهَارَةٍ وَجَهِلَهُ) فَلَمْ يَدْرِ أَهُوَ طَوَافُ عُمْرَتِهِ أَوْ حَجِّهِ (لَزِمَهُ الْأَشَدُّ) أَيْ الْأَحْوَطُ مِنْهُمَا لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ (وَهُوَ) أَيْ الْأَشَدُّ (جَعْلُهُ) أَيْ الطَّوَافَ بِلَا طَهَارَةٍ (لِلْعُمْرَةِ فَلَا يَحِلُّ مِنْهَا بِحَلْقٍ لِفَرْضِ) فَسَادِ طَوَافِهِ، فَكَأَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ طَوَافِ عُمْرَتِهِ (وَعَلَيْهِ بِهِ) أَيْ الْحَلْقِ (دَمٌ) لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي إحْرَامِهِ (وَيَصِيرُ قَارِنًا) بِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ (وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِلْحَجِّ) أَيْ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (عَنْ النُّسُكَيْنِ) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَالْقَارِنِ ابْتِدَاءً قُلْت: الِاحْتِيَاطُ: إعَادَةُ الطَّوَافِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الَّذِي بِلَا طَهَارَةٍ فَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ إلَّا بِيَقِينٍ (وَيُعِيدُ السَّعْيَ) لِوُقُوعِهِ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍ بِهِ، لِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ بِلَا طَهَارَةٍ (وَإِنْ جَعَلَ) الطَّوَافَ بِلَا طَهَارَةٍ (مِنْ الْحَجِّ) أَيْ قَدَّرَ أَنَّهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (فَيَلْزَمُهُ طَوَافُهُ) أَيْ الْحَجِّ (وَسَعْيُهُ) فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ثُمَّ يَسْعَى. (وَ) يَلْزَمُهُ (دَمُ) التَّمَتُّعِ بِشُرُوطِهِ وَذَكَرْت فِي الْحَاشِيَةِ مَا فِي كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ (وَإِنْ كَانَ وَطِئَ) الْمُتَمَتِّعُ (بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ) ثُمَّ عَلِمَ أَحَدَ طَوَافَيْهِ بِلَا طَهَارَةٍ وَفَرَضْنَاهُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ (لَمْ يَصِحَّا) أَيْ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ لِوَطْئِهِ فِيهَا فَلَمْ يَصِحَّ وَيَلْغُو مَا فَعَلَهُ لِلْحَجِّ (وَتَحَلَّلَ بِطَوَافِهِ الَّذِي نَوَاهُ بِحَجِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ وَلَزِمَهُ) دَمَانِ (دَمٌ لِحَلْقِهِ) قَبْلَ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ (وَدَمٌ لِوَطْئِهِ فِي عُمْرَتِهِ) وَلَوْ جُعِلَ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ وَدَمٌ فَقَطْ.
ثُمَّ يَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ بَابِ الصَّفَا (فَيَرْقَى الصَّفَا لِيَرَى الْبَيْتَ فَيَسْتَقْبِلُهُ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ ثَلَاثًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعَدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {" إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَ وَقَالَ - وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ - ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ " يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ " وَالْأَحْزَابُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَالْيَهُودُ (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ، حَتَّى نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يُلَبِّي) لِعَدَمِ نَقْلِهِ (ثُمَّ يَنْزِلُ) مِنْ الصَّفَا (فَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَسْعَى مَاشٍ سَعْيًا شَدِيدًا إلَى الْعَلَمِ الْآخَرِ) مِيلٌ أَخْضَرُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ (ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَرْقَى الْمَرْوَةَ) مَكَانٌ مَعْرُوفٌ وَأَصْلُهَا الْحِجَارَةُ الْبَرَّاقَةُ الَّتِي يُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ (فَيَقُولُ) مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (كَمَا قَالَ عَلَى الصَّفَا) مِنْ تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَدُعَاءٍ (وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (فَيُلْصِقُ عَقِبَهُ) أَيْ عَقِبَ رِجْلَيْهِ (بِأَصْلِهِمَا) أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي ابْتِدَائِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُلْصِقُ أَيْضًا أَصَابِعَهُ بِمَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالرَّاكِبُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِدَابَّتِهِ، فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِمَّا بَيْنَهُمَا وَلَوْ دُونَ ذِرَاعٍ لَمْ يُجْزِئْهُ سَعْيُهُ (ثُمَّ يَنْزِلُ) مِنْ الْمَرْوَةِ (فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ إلَى الصَّفَا يَفْعَلُهُ سَعْيًا ذَهَابُهُ سَعْيَةٌ وَرُجُوعُهُ سَعْيَةٌ) يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ لِلْخَبَرِ (فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِذَلِكَ الشَّوْطُ) وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ " رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّمَا جَعَلَ رَمْيَ الْجِمَارِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَيُشْتَرَطُ) لِلسَّعْيِ (نِيَّةٌ) لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} (وَ) يُشْتَرَطُ لَهُ (مُوَالَاةٌ) قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافِ) نُسُكٍ (وَلَوْ مَسْنُونًا) كَطَوَافِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سَعَى بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَالَ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} فَلَوْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِهِ ثُمَّ عَلِمَهُ بِلَا طَهَارَةٍ أَعَادَ السَّعْيَ وَلَا يُسَنُّ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ (وَتُسَنُّ مُوَالَاتُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بِأَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا طَوِيلًا. (وَ) تُسَنُّ لَهُ (طَهَارَةٌ) مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ (وَسُتْرَةٌ) فَلَوْ سَعَى عُرْيَانًا أَوْ مُحْدِثًا أَجْزَأَهُ لَكِنْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا و(لَا) يُسَنُّ فِيهِ (اضْطِبَاعٌ) نَصًّا (وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَى) الصَّفَا وَلَا الْمَرْوَةَ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ (وَلَا تَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا) لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَلَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا السَّتْرُ وَذَلِكَ تَعَرُّضٌ لِلِانْكِشَافِ (وَتُسَنُّ مُبَادَرَةُ مُعْتَمِرٍ بِذَلِكَ) أَيْ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) يُسَنُّ (تَقْصِيرُهُ) أَيْ الْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (لِيَحْلِقَ) شَعْرَهُ (وَيَتَحَلَّلَ مُتَمَتِّعٌ) لِأَنَّ عُمْرَتَهُ تَمَّتْ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالتَّقْصِيرِ (لَمْ يَسُقْ هَدْيًا وَلَوْ لَبَّدَ رَأْسَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ أَحْرَمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلِيَحِلَّ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا نَصًّا وَالْمُعْتَمِرُ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ يَحِلُّ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَوْ لَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ فِي عُمْرَتِهِ وَوَطِئَ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ " سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِرَةٍ وَقَعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ: قَالَ: مَنْ تَرَكَ مِنْ مَنَاسِكِهِ شَيْئًا أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُهْرِيقَ دَمًا قِيلَ: فَإِنَّهَا مُوسِرَةٌ قَالَ فَلْتَنْحَرْ نَاقَةً " (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مُتَمَتِّعٌ وَمُعْتَمِرٌ إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ) نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ}. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَلَا بَأْسَ بِهَا) أَيْ التَّلْبِيَةِ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ نَصًّا سِرًّا) قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهَا لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَكَذَا السَّعْيُ بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَ.
(يُسَنُّ لِمُحِلٍّ بِمَكَّةَ وَبِقُرْبِهَا وَلِمُتَمَتِّعٍ: حَلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ (إحْرَامٌ بِحَجٍّ فِي ثَامِنِ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ {فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ} سُمِّيَ الثَّامِنُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْتَوُونَ فِيهِ الْمَاءَ لِمَا بَعْدَهُ، أَوْ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ أَصْبَحَ يَتَرَوَّى فِيهِ فِي أَمْرِ الرُّؤْيَا (إلَّا مَنْ) أَيْ مُتَمَتِّعًا (لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَصَامَ) أَيْ أَرَادَهُ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ (فِي سَابِعِهِ) أَيْ ذِي الْحِجَّةِ لِيَصُومَ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ (بَعْدَ فِعْلِ مَا يَفْعَلُهُ فِي إحْرَامِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) مِنْ الْغَسْلِ وَالتَّنْظِيفِ وَالتَّطَيُّبِ فِي بَدَنِهِ، وَتَجَرُّدٍ مِنْ الْمَخِيطِ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ وَنَعْلَيْنِ. (وَ) بَعْدَ (طَوَافٍ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ) أَيْ إحْرَامِهِ (لِوَدَاعِهِ) نَصًّا لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهِ فَلَوْ طَافَ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ سَعْيُهُ لِحَجِّهِ (وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ (مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ) وَكَانَ عَطَاءٌ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ (وَجَازَ وَصَحَّ) إحْرَامُهُ (مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ نَصًّا (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ) نَدْبًا (فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ) يُقِيمُ بِهَا (إلَى الْفَجْرِ) وَيُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ {وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ} (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ) يَوْمَ عَرَفَةَ (سَارَ مِنْ مِنًى فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ) مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَهُوَ جَبَلٌ عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِك إذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ (إلَى الزَّوَالِ فَيَخْطُبُ بِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ خُطْبَةً قَصِيرَةً، مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ وَالدَّفْعَ مِنْهَا وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ " حَتَّى إذَا {جَاءَ عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِّلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ} (ثُمَّ يَجْمَعُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ حَتَّى الْمُنْفَرِدُ) نَصًّا (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ {ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا} وَقَالَ سَالِمٌ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَةَ " إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ فَقَصِّرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَةَ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَقَدْ وَقَفْتُ هَهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِحَدِيثِ {كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فَلَا يُجْزِئُ وُقُوفُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ كَمُزْدَلِفَةَ (وَهِيَ) أَيْ عَرَفَةُ (مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ إلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ وَسُنَّ وُقُوفُهُ) أَيْ الْحَاجِّ بِعَرَفَةَ (رَاكِبًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ (بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ) فَيَفْعَلُهَا غَيْرَ رَاكِبٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ طَوَافٍ وَسَعْيٍ رَاكِبًا وَسُنَّ وُقُوفُهُ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الصَّخْرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ) وَاسْمُهُ إلَالُ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ وَيُقَالُ لَهُ: جَبَلُ الدُّعَاءِ لِقَوْلِ جَابِرٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {جَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخْرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ} وَقَوْلُهُ (حَبْلَ الْمُشَاةِ) أَيْ طَرِيقَهُمْ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ فِي الرَّمَلِ وَقِيلَ: أَرَادَ صَفَّهُمْ وَمُجْتَمَعَهُمْ فِي مَشْيِهِمْ، تَشْبِيهًا بِحَبْلِ الرَّمَلِ (وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُهُ) أَيْ جَبَلِ الرَّحْمَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْمَاعًا (وَيَرْفَعُ) وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ (يَدَيْهِ) نَدْبًا وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ (وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ) وَالِاسْتِغْفَارَ وَالتَّضَرُّعَ وَإِظْهَارَ الضَّعْفِ وَالِافْتِقَارِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ وَيَجْتَنِبُ السَّجْعَ، وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا. (وَ) يُكْثِرُ (مِنْ قَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) لِحَدِيثِ {أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ} رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ {كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَا فِي الْمَتْنِ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَوَقْتُهُ) أَيْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: {لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْت لَهُ: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ} وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ قَالَ: {أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طيئ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاَللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَكَانَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ كَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَرْكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُقُوفَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَقْتًا لَهُ كَمَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِنَّمَا وَقَفَ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ (فَمَنْ حَصَلَ لَا مَعَ سُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ) مَا لَمْ يُفِيقُوا بِهَا (فِيهِ) أَيْ وَقْتِ الْوُقُوفِ (بِعَرَفَةَ وَلَوْ لَحْظَةً) مُخْتَارًا (وَهُوَ) أَيْ الْحَاصِلُ بِعَرَفَةَ لَحْظَةً (أَهَلَّ لِلْحَجِّ) بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ مُسْلِمًا عَاقِلًا (وَلَوْ مَارًّا) بِعَرَفَةَ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا (أَوْ) مَرَّ بِهَا (نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا عَرَفَةُ صَحَّ حَجُّهُ) لِلْخَبَرِ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَ بِهَا وَقَوْلُهُ فِي شَرْحِهِ: الْمُكَلَّفِينَ الْأَحْرَارَ وَقَوْلُهُ حُرًّا بَالِغًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ لِإِجْزَائِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ الْوُقُوفِ (إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) فَلَا يَصِيرُ مَنْ حَصَلَ بِالْمِيقَاتِ مُحْرِمًا بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَّةُ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا يَصِحَّانِ بِلَا نِيَّةٍ وَتَقَدَّمَ (وَمَنْ وَقَفَ بِهَا) أَيْ عَرَفَةَ (نَهَارًا وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ) بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ إلَى عَرَفَةَ (أَوْ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَهُ) أَيْ الْغُرُوبِ (وَلَمْ يَقَعْ) أَيْ الْغُرُوبُ (وَهُوَ بِهَا) أَيْ عَرَفَةَ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا، كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، كَمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ (بِخِلَافِ وَاقِفٍ لَيْلًا فَقَطْ) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ {مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ} وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ فَأَشْبَهَ مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ.
ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ عَرَفَةَ مَعَ الْأَمِيرِ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَكَهُ (إلَى مُزْدَلِفَةَ) مِنْ الزُّلْفِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا، أَيْ تَقَرَّبُوا وَمَضَوْا إلَيْهَا وَتُسَمَّى جَمْعًا، لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ مُزْدَلِفَةُ (مَا بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ) بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ (وَوَادِي مُحَسِّرٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ: وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحَسِّرُ سَالِكَهُ (بِسَكِينَةٍ) لِقَوْلِ جَابِرٍ {وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ بِالزِّمَامِ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ} (مُسْتَغْفِرًا) لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ (يُسْرِعُ فِي الْفُرْجَةِ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ} أَيْ أَسْرَعَ لِأَنَّ الْعَنَقَ انْبِسَاطُ السَّيْرِ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ (فَإِذَا بَلَغَهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ (جَمَعَ الْعِشَاءَيْنِ بِهَا) مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ (قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: {دَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَقُلْت لَهُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالطَّرِيقِ تَرَكَ السُّنَّةَ) لِلْخَبَرِ (وَأَجْزَأَهُ) لِأَنَّ كُلَّ صَلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ (وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ جَمَعَ وَحْدَهُ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ (ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا) أَيْ بِمُزْدَلِفَةَ وُجُوبًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِهَا وَقَالَ: {لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِحَدِيثِ {الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ} أَيْ جَاءَ عَرَفَةَ (وَلَهُ) أَيْ الْحَاجِّ (الدَّفْعُ) مِنْ مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: {أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَفِيهِ) أَيْ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ نِصْفِ اللَّيْلِ عَلَى (غَيْرِ رُعَاةٍ وَ) غَيْرِ (سُقَاةِ) زَمْزَمَ (دَمٌ) عَلِمَ الْحُكْمَ أَوْ جَهِلَهُ نَسِيَهُ أَوْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا وَالنِّسْيَانُ إثْمًا يُؤَثِّرُ فِي جَعْلِ الْمَوْجُودِ كَالْمَعْدُومِ، لَا فِي جَعْلِ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ وَأَمَّا السُّقَاةُ وَالرُّعَاةُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُخِّصَ لِلرُّعَاةِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ وَرُخِّصَ لِلْعَبَّاسِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ لِأَجْلِ سِقَايَتِهِ وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالْمَبِيتِ (مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا) أَيْ الْمُزْدَلِفَةِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) نَصًّا فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَهُ فَلَا دَمَ (كَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ (إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ فِيهَا جُزْءًا مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ كَمَنْ لَمْ يَأْتِ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا (وَمَنْ أَصْبَحَ بِهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ (صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ {صَلَّى الصُّبْحَ بِهَا حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ} وَلِيَتَّسِعَ وَقْتُ وُقُوفِهِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (ثُمَّ أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَجِّ وَاسْمُهُ فِي الْأَصْلِ: قُزَحُ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ (فَرَقَى عَلَيْهِ) إنْ سَهُلَ (أَوْ وَقَفَ عِنْدَهُ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ) لِحَدِيثِ " جَابِرٍ {أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَرَقَى عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَكَبَّرَهُ} (وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} - الْآيَتَيْنِ - إلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ}) يُكَرِّرُهُ إلَى الْإِسْفَارِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا} (فَإِذَا أَسْفَرَ جِدًّا سَارَ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ عُمَرُ {كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيَسِيرُ (بِسَكِينَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ} (فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَسْرَعَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ) إنْ كَانَ مَاشِيًا وَإِلَّا حَرَّك دَابَّتَهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ {حَتَّى أَتَى بَطْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ فَحَرَّك قَلِيلًا} وَعَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ لَمَّا أَتَى مُحَسِّرًا أَسْرَعَ وَقَالَ: إلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا (وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعِينَ) حَصَاةً كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُهُ مِنْ جَمْعٍ وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ: كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ الْحَصَا مِنْ جَمْعٍ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنًى بِشَيْءٍ قُبَيْلَ الرَّمْيِ، وَهُوَ تَحِيَّتُهَا فَلَا يَشْتَغِلُ قَبْلَهُ بِشَيْءٍ وَتَكُونُ الْحَصَاةُ (أَكْبَرَ مِنْ الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ كَحَصَى الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ الرَّمْيِ بِنَحْوِ حَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ، تَخْذِفُ بِهَا (مِنْ حَيْثُ شَاءَ) أَخَذَ حَصَى الْجِمَارِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ اُلْقُطْ لِي حَصًى، فَلَقَطْت لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ فَجَعَلَ يَقْبِضُهُنَّ فِي كَفَّيْهِ وَيَقُولُ: أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَكَانَ ذَلِكَ بِمِنًى قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِهِ (وَكُرِهَ) أَخْذُ الْحَصَى (مِنْ الْحَرَمِ) يَعْنِي الْمَسْجِدَ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ جَمْعٍ وَمِنًى وَهُمَا مِنْ الْحَرَمِ وَقَدْ أَوْضَحْته فِي الْحَاشِيَةِ (وَ) كُرِهَ أَخْذُهُ (مِنْ الْحُشِّ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ نَجَاسَةٍ (وَ) كُرِهَ (تَكْسِيرُهُ) أَيْ الْحَصَى، لِئَلَّا يَطِيرَ إلَى وَجْهِهِ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ (وَلَا يُسَنُّ غَسْلُهُ) أَيْ الْحَصَى. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ (وَتُجْزِئُ) مَعَ الْكَرَاهَةِ (حَصَاةٌ نَجِسَةٌ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا}. (وَ) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (فِي خَاتَمٍ إنْ قَصَدَهَا) بِالرَّمْيِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِحَدِيثِ {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} (وَ) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (غَيْرُ مَعْهُودَةٍ كَ) حَصَاةٍ (مِنْ مِسَنٍّ وَبِرَامٍ وَنَحْوِهِمَا) كَمَرْمَرٍ، وَكَذَّانَ، وَسَوَاءٌ السَّوْدَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَمْرَاءُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ و(لَا) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (صَغِيرَةٌ جِدًّا أَوْ كَبِيرَةٌ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا يُسَمَّى حَصًى، وَالْكَبِيرَةُ تُسَمَّى حَجَرٌ (أَوْ) أَيْ وَلَا تُجْزِئُ (مَا) أَيْ حَصَاةٌ (رَمَى بِهَا) لِأَخْذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ الْمَرْمَى وَلِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي عِبَادَةٍ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيهَا ثَانِيًا كَمَاءِ وُضُوءٍ (أَوْ) أَيْ وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ (بِغَيْرِ الْحَصَى، كَجَوْهَرٍ) وَزُمُرُّدٍ وَيَاقُوتٍ (وَذَهَبٍ وَنَحْوِهِمَا) كَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ (فَإِذَا وَصَلَ مِنًى وَهُوَ مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَدَأَ بِهَا) أَيْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (فَرَمَاهَا) رَاكِبًا إنْ كَانَ كَذَلِكَ وَقَالَ الْأَكْثَرُ مَاشِيًا نَصًّا (بِسَبْعٍ) وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى لِحَدِيثِ جَابِرٍ {حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا} (وَيُشْتَرَطُ الرَّمْيُ) لِلْخَبَرِ (فَلَا يُجْزِئُ الْوَضْعُ) فِي الْمَرْمَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَيُجْزِئُ طَرْحُهَا. (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُهُ) أَيْ الرَّمْيِ (وَاحِدَةً) مِنْ الْحَصَى (بَعْدَ وَاحِدَةٍ) مِنْهُ (فَلَوْ رَمَى) أَكْثَرَ مِنْ حَصَاةٍ (دُفْعَةً وَاحِدَةً) يُحْتَسَبُ بِهَا وَيُتِمُّ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {رَمَى بِسَبْعِ رَمْيَاتٍ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} (وَيُؤَدَّبُ) لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ. (وَ) يُشْتَرَطُ (عِلْمُ الْحُصُولِ) لِحَصًى يَرْمِيهِ (بِالْمَرْمَى) فَلَا يَكْفِي ظَنُّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بِذِمَّتِهِ فَلَا يُبَرَّأُ إلَّا بِيَقِينٍ وَعَنْهُ يَكْفِي ظَنُّهُ قُلْت: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا مَشَقَّةَ فِي الْيَقِينِ (فَلَوْ) رَمَى حَصَاةً فَالْتَقَطَهَا طَائِرٌ، أَوْ ذَهَبَتْ بِهِ الرِّيحُ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِالْمَرْمَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ (وَقَعَتْ) الْحَصَاةُ (خَارِجَهُ) أَيْ الْمَرْمَى (ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ فِيهِ) أَيْ الْمَرْمَى أَجْزَأَتْهُ (أَوْ) رَمَاهَا فَوَقَعَتْ (عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ ثُمَّ صَارَتْ فِيهِ) أَيْ الْمَرْمَى (وَلَوْ بِنَفْضِ غَيْرِهِ) أَيْ الرَّامِي (أَجْزَأَتْهُ) لِأَنَّ الرَّامِيَ انْفَرَدَ بِرَمْيِهَا وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَرْمَى مُجْتَمَعُ الْحَصَى عَادَةً لَا الشَّاخِصُ نَفْسُهُ (وَوَقْتُهُ) أَيْ الرَّمْيِ (مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ أَنَّهُ {أَمَرَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ وَتُوَافِيَ مَكَّةَ مَعَ صَلَاةِ الْفَجْرِ} احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَشْبَهَ مَا بَعْدَ الشَّمْسِ (وَنُدِبَ) الرَّمْيُ (بَعْدَ الشَّرْقِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ {رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ وَحْدَهُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ} مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَإِذَا غَرَبَتْ) شَمْسُ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ (فَ) إنَّهُ يَرْمِي تِلْكَ الْجَمْرَةَ (مِنْ غَدِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " مَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلَا يَرْمِي حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ". (وَ) نُدِبَ (أَنْ يُكَبِّرَ) رَامٍ (مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ. (وَ) أَنْ (يَقُولَ) مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا) لِمَا رَوَى حَنْبَلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: " رَأَيْت {سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ وَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ - فَذَكَرَهُ - فَسَأَلْته عَمَّا صَنَعَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ كُلَّمَا رَمَى مِثْلَ ذَلِكَ} (وَ) نُدِبَ أَنْ (يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ، وَ) أَنْ (يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَ) أَنْ (يَرْمِيَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ {لَمَّا أَتَى عَبْدُ اللَّهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَجَعَلَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، مِنْ هَهُنَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ}. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَيَرْفَعُ يُمْنَاهُ) إذَا رَمَى (حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطِهِ) لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى الرَّمْيِ (وَلَا يَقِفُ) عِنْدَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {كَانَ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ وَلَمْ يَقِفْ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلِضِيقِ الْمَكَانِ (وَلَهُ رَمْيُهَا) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (مِنْ فَوْقِهَا) لِفِعْلِ عُمَرَ لِمَا رَأَى مِنْ الزِّحَامِ عِنْدَهَا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الرَّمْيِ) لِحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ {حَتَّى إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ} رَوَاهُ حَنْبَلٌ فِي الْمَنَاسِكِ (ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا مَعَهُ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لِقَوْلِ جَابِرٍ: {ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثَمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَّرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ} فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ اشْتَرَاهُ وَإِذَا نَحَرَهَا فَرَّقَهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ أَوْ أَطْلَقَهَا لَهُمْ وَيَأْتِي حُكْمُ جَلَّالٍ وَجُلُودٍ وَإِعْطَاءِ جَازِرٍ مِنْهَا (ثُمَّ يَحْلِقُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (وَيُسَنُّ اسْتِقْبَالُهُ) أَيْ الْمَحْلُوقِ رَأْسِهِ الْقِبْلَةَ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ. (وَ) سُنَّ (بُدَاءَةٌ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ) لِحُبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ الْعَظْمَ الَّذِي عِنْدَ مَقْطَعِ الصُّدْغِ مِنْ الْوَجْهِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لِلْحَالِقِ " اُبْلُغْ الْعَظْمَيْنِ افْصِلْ الرَّأْسَ مِنْ اللِّحْيَةِ " وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: " مِنْ السُّنَّةِ إذَا حَلَقَ أَنْ يَبْلُغَ الْعَظْمَيْنِ " قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَدْعُو. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: وَيُكَبِّرُ وَقْتَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ (أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) نَصًّا لِظَاهِرِ الْآيَةِ (لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهُ مُشِقٌّ جِدًّا وَلَا يَكَادُ يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ وَلَا يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرِهِ {لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ} فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَمَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَوْ ضَفَّرَهُ أَوْ عَقَصَهُ فَكَغَيْرِهِ (وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا كَذَلِكَ أُنْمُلَةً فَأَقَلَّ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَإِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْحَلْقَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهِنَّ فَتُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد تَجْمَعُ شَعْرَهَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهَا ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِهِ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ (كَعَبْدٍ، وَلَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِهِ (وَسُنَّ) لِمَنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ (أَخْذُ ظُفْرٍ وَشَارِبٍ وَنَحْوَهُ) كَعَانَةٍ وَإِبِطٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ} وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ. (وَ) سُنَّ أَنْ (لَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ عَلَى أُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ (وَسُنَّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى مَنْ عَدِمَهُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَجِبْ لِأَنَّ الْحَلْقَ مَحَلُّهُ الشَّعْرُ فَيَسْقُطُ بِعَدَمِهِ، كَغَسْلِ عُضْوٍ فَقَدْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ قَصَّرَ الشَّعْرَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إنْ نَتَفَهُ أَوْ أَزَالَ بِنَوْرَةٍ لَكِنَّ السُّنَّةَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ (ثُمَّ) بَعْدَ رَمْيٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ (قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حُرِّمَ بِالْإِحْرَامِ (إلَّا النِّسَاءُ) نَصًّا وَطْئًا وَمُبَاشَرَةً وَقُبْلَةً وَلَمْسًا لِشَهْوَةٍ وَعَقْدَ نِكَاحٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ} رَوَاهُ سَعِيدٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: {طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ) إنْ لَمْ يَحْلِقْ (نُسُكٌ) فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ (فِي تَرْكِهِمَا) مَعًا (دَمٌ) لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ وَامْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {فَلْيُقَصِّرْ ثُمَّ لْيَتَحَلَّلْ} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْحِلُّ عَلَيْهِ وَدَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ فَلَوْلَا أَنَّهُ نُسُكٌ لَمَا اسْتَحَقُّوا لِأَجْلِهِ الدُّعَاءَ وَلَمَا وَقَعَ التَّفَاضُلُ فِيهِ، إذْ لَا مُفَاضَلَةَ فِي الْمُبَاحِ و(لَا) دَمَ عَلَيْهِ (إنْ أَخَّرَهَا) أَيْ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فَيُسَنُّ أَوَّلَ وَقْتِهِ دُونَ آخِرِهِ فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ كَالطَّوَافِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ نُسُكًا كَالطَّوَافِ (أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ، أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ أَوْ نَحَرَ) قَبْلَ رَمْيِهِ (أَوْ طَافَ) لِلْإِفَاضَةِ (قَبْلَ رَمْيِهِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ} مَرْفُوعًا {مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فَلَا حَرَجَ} رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:: {يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَقَالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي لَفْظٍ قَالَ: {فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - قَالَ فَمَا سَمِعْته يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ، مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ، وَأَشْبَاهِهَا إلَّا قَالَ: افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ (عَالِمًا) لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضُ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَا حَرَجَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا دَمَ فِيهِ (وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ) ثَلَاثٍ (رَمْيٍ وَحَلْقٍ وَطَوَافِ) إفَاضَةٍ فَلَوْ حَلَقَ وَطَافَ ثُمَّ وَطِئَ وَلَمْ يَرْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِوَطْئِهِ وَدَمٌ لِتَرْكِهِ الرَّمْيَ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ (وَ) يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ (الثَّانِي بِمَا بَقِيَ) مِنْ الثَّلَاثِ (مَعَ السَّعْيِ) مِنْ مُتَمَتِّعٍ مُطْلَقًا وَمُفْرِدٍ وَقَارِنٍ لَمْ يَسْعَيَا مَعَ طَوَافِ قُدُومٍ لِأَنَّهُ رُكْنٌ (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ، يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ) لِلْجَمَرَاتِ كُلِّهَا أَيَّامَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ يَعْنِي بِمِنًى} أَخَرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ {سَمِعْت خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَدْخُلَاهَا) أَيْ مَكَّةَ (قَبْلَ) وُقُوفِهِمَا بِعَرَفَةَ طَوَافًا (لِلْقُدُومِ) نَصًّا (بِرَمَلٍ) وَاضْطِبَاعٍ ثُمَّ لِزِيَارَةٍ. (وَ) يَطُوفُ (مُتَمَتِّعٌ) لِلْقُدُومِ (بِلَا رَمَلٍ) وَلَا اضْطِبَاعٍ (ثُمَّ) يَطُوفُ (لِلزِّيَارَةِ) نَصًّا وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ {فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ طَافَ طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا} فَحَمَلَهُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ وَلِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ وَرَدَّهُ الْمُوَفَّقُ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الطَّوَافِ، بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا فَلَمْ تَذْكُرْ طَوَافًا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَتْهُ طَوَافَ الْقُدُومِ لَكَانَتْ أَخَلَّتْ بِذِكْرِ الرُّكْنِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ وَذَكَرَتْ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَهِيَ) أَيْ الزِّيَارَةُ (الْإِفَاضَةُ) لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ إفَاضَتِهِ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ، وَلَمَّا كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى سُمِّيَ أَيْضًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ (وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (بِالنِّيَّةِ) لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} وَكَالصَّلَاةِ وَيَكُونُ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ كَذَلِكَ وَقَالَ لَنَا {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ (رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ) إجْمَاعًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي حَيْضِ صَفِيَّةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَوَقْتُهُ) أَيْ أَوَّلُهُ " مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ " بِعَرَفَةَ قَبْلُ (وَإِلَّا) يَكُنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ (فَ) وَقْتُهُ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ قَبْلَهُ. (وَ) فِعْلُهُ (يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {أَفَاضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ) لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ (وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ تَأْخِيرِ الطَّوَافِ (كَ) تَأْخِيرِ (السَّعْيِ) لِمَا سَبَقَ (ثُمَّ يَسْعَى مُتَمَتِّعٌ) لِحَجِّهِ لِأَنَّ سَعْيَهُ الْأَوَّلَ كَانَ لِعُمْرَتِهِ (وَ) يَسْعَى (مَنْ لَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ) مِنْ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ، وَمَنْ سَعَى مِنْهُمَا لَمْ يُعِدْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّطَوُّعُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَنْسَاكِ إلَّا الطَّوَافَ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ (ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ لِمَا أَحَبَّ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ) لِحَدِيثِ {مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟ قَالَ: مِنْ زَمْزَمَ قَالَ: فَشَرِبْتُ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي؟ قَالَ فَكَيْفَ؟ قَالَ: إذَا شَرِبْت مِنْهَا فَاسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا مِنْ زَمْزَمَ وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْت مِنْهَا فَاحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَرِيًّا وَشِبَعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ) زَادَ بَعْضُهُمْ " وَحِكْمَتِك " لِحَدِيثِ جَابِرٍ {مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا الدُّعَاءُ شَامِلٌ لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ يَرْجِعُ مَنْ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَلَى مَا سَبَقَ (فَيُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَبِيتُ بِهَا) أَيْ مِنًى (ثَلَاثَ لَيَالٍ) إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَإِلَّا فَلَيْلَتَيْنِ (وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ) الثَّلَاثَ (بِهَا) أَيْ مِنًى (أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ (كُلَّ جَمْرَةٍ) مِنْهَا (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) وَاحِدَةٍ بَعْدَ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُجْزِئُ رَمْيُ غَيْرِ سُقَاةٍ وَرُعَاةٍ إلَّا نَهَارًا بَعْدَ الزَّوَالِ) حَتَّى يَوْمَ يَعُودُ إلَى مَكَّةَ فَإِنْ رَمَى لَيْلًا أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ {رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ} وَقَدْ قَالَ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ " كُنَّا نَتَحَيَّنُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا". (وَسُنَّ) رَمْيُهُ (قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الظُّهْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {كَانَ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ مَا إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهِ صَلَّى الظُّهْرَ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَنْ يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرَضِيٍّ صَلَّى بِرِفْقَتِهِ (يَبْدَأُ بِ) الْجَمْرَةِ (الْأَوْلَى) وَهِيَ (أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ وَتَلِيَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَسَارِهِ) وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ) عَنْهَا (قَلِيلًا) بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ الْحَصَى (فَيَقِفُ يَدْعُو وَيُطِيلُ) رَافِعًا يَدَيْهِ نَصًّا (ثُمَّ) يَأْتِي الْجَمْرَةَ (الْوُسْطَى فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ) وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ (وَيَقِفُ عِنْدَهَا فَيَدْعُو) رَافِعًا يَدَيْهِ وَيُطِيلُ (ثُمَّ يَأْتِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ) وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِضِيقِ الْمَكَانِ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي) رَمْيِ الْجَمَرَاتِ (الْكُلِّ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ " كَانَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولَانِ عِنْدَ الرَّمْيِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا " (وَتَرْتِيبُهَا) أَيْ الْجَمَرَاتِ كَمَا ذُكِرَ (شَرْطٌ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَاهَا كَذَلِكَ وَقَالَ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} فَلَوْ نَكَّسَ فَبَدَأَ بِغَيْرِ الْأُولَى لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ إلَّا بِهَا وَيُعِيدُ الْآخِرَتَيْنِ مُرَتَّبَتَيْنِ (كَالْعَدَدِ) أَيْ السَّبْعِ حَصَيَاتٍ فَهُوَ شَرْطٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى كُلًّا مِنْهَا بِسَبْعٍ، كَمَا مَرَّ وَإِذَا أَخَلَّ الرَّامِي بِحَصَاةٍ مِنْ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ) وَلَا الثَّالِثَةِ وَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّالِثَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ (فَإِنْ) تَرَكَ حَصَاةً فَأَكْثَرَ و(جَهِلَ مِنْ أَيُّهَا) أَيْ الْجَمَرَاتِ (تُرِكَتْ) الْحَصَاةُ (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) فَيَجْعَلُهَا مِنْ الْأُولَى، فَيُتِمُّهَا ثُمَّ يَرْمِي الْأُخْرَتَيْنِ مُرَتِّبًا لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ الثَّانِيَةِ (وَإِنْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ، وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَخَّرُ رَمْيُهُ (يَوْمَ النَّحْرِ إلَى غَدَاةٍ أَوْ أَكْثَرَ) أَجْزَأَ أَدَاءً (أَوْ) أَخَّرَ رَمْيَ (الْكُلِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَرَمَاهَا بَعْدَ الزَّوَالِ (أَجْزَأَ) رَمْيُهُ (أَدَاءً) لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا وَقْتٌ لِلرَّمْيِ فَإِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ إلَى آخِرِهِ أَجْزَأَهُ، كَتَأْخِيرِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الرَّمْيِ (بِالنِّيَّةِ) كَمَجْمُوعَتَيْنِ وَفَوَائِتِ الصَّلَوَاتِ فَإِذَا أَخَّرَ الْكُلَّ مَثَلًا بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَنَوَى رَمْيَهَا لِيَوْمِ النَّحْرِ، ثُمَّ يَأْتِي الْأُولَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْعَقَبَةَ، نَاوِيًا عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَبْدَأُ مِنْ الْأُولَى حَتَّى يَأْتِيَ الْأَخِيرَةَ نَاوِيًا عَنْ الثَّانِي، وَهَكَذَا عَنْ الثَّالِثِ (وَفِي تَأْخِيرِهِ) أَيْ الرَّمْيِ (عَنْهَا) أَيْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا (دَمٌ) لِفَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ فَيَسْتَقِرُّ الْفِدَاءُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ تَرَكَ نُسُكًا أَوْ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يُهْرِيقُ دَمًا " (كَتَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ) غَيْرِ الثَّالِثَةِ لِمَنْ تَعَجَّلَ (بِمِنًى) فَيَجِبُ بِهِ دَمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ لَيَالِيَهَا كُلَّهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ اللَّيْلَةِ بِالْمَبِيتِ، بَلْ كَمُزْدَلِفَةَ عَلَى مَا سَبَقَ (وَفِي تَرْكِ حَصَاةٍ) وَاحِدَةٍ (مَا فِي إزَالَةِ شَعْرَةٍ) طَعَامُ مِسْكِينٍ (وَفِي تَرْكِ حَصَاتَيْنِ مَا فِي) إزَالَةِ (شَعْرَتَيْنِ) مَثَلًا: ذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي آخِرِ جَمْرَةٍ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ مَا بَعْدَهَا وَفِي أَكْثَرَ مِنْ حَصَاتَيْنِ دَمٌ وَمَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ وَحَبْسٍ جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَشْهَدَهُ إنْ قَدَرَ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ لَمْ تَبْطُلْ النِّيَابَةُ فَلَهُ الرَّمْيُ عَنْهُ كَمَا لَوْ اسْتَنَابَهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (وَلَا مَبِيتَ) بِمِنًى (عَلَى سُقَاةٍ وَرُعَاةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِحَدِيثِ مَالِكٍ {رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُعَاةِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ، النَّحْرِ، يَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا. قَالَ مَالِكٌ ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَالَ: فِي يَوْمٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمَرِيضُ وَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ كَغَيْرِهِ، أَيْ مِنْ السُّقَاةِ وَالرُّعَاةِ (فَإِنْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (وَهُمْ) أَيْ السُّقَاةُ وَالرُّعَاةُ (بِهَا) أَيْ بِمِنًى (لَزِمَ الرُّعَاةَ فَقَطْ) أَيْ دُونَ السُّقَاةِ (الْمَبِيتُ) لِفَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ بِالْغُرُوبِ، بِخِلَافِ السَّقْيِ (وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، وَ) حُكْمَ (تَوْدِيعِهِمْ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَكْرٍ قَالَا {رَأَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بَيْنَ أَوَاسِطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ} وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى أَحْكَامِ الْمَذْكُورَاتِ " وَلِغَيْرِ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ فِيهِ " أَيْ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ {أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ وَذَكَرَ الْآيَةَ} وَأَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِذَا غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (وَهُوَ) أَيْ مُرِيدُ التَّعْجِيلِ (بِهَا) أَيْ مِنًى (لَزِمَتْ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ) بَعْدَ الزَّوَالِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَسَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلْيَقُمْ إلَى الْغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ " وَلِأَنَّهُ بَعْدَ إدْرَاكِهِ اللَّيْلَ لَمْ يَتَعَجَّلْ فِي يَوْمَيْنِ (وَيَسْقُطُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَنْ مُتَعَجِّلٍ) نَصًّا لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَكَذَا مَبِيتُ الثَّالِثَةِ (وَيَدْفِنُ) مُتَعَجِّلٌ (حَصَاهُ) أَيْ الْيَوْمَ الثَّالِثِ زَادَ بَعْضُهُمْ: فِي الْمَرْمَى وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: أَوْ يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ (وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ) إلَى مِنًى بَعْدُ، لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ التَّحْصِيبَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْ نَفَرٍ إلَى الْمُحَصَّبِ وَهُوَ الْأَبْطَحُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ يَهْجَعُ يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ سُنَّةً وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُ سُنَّةً. قَالَ ابْنُ عُمَرَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ " إنَّمَا نَزَلَهُ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ) مُتَعَجِّلٌ أَوْ غَيْرُهُ وَأَرَادَ خُرُوجًا لِبَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ مَكَّةَ (حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ) لِلْخَبَرِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ أَوْ بَعْدَهُ (إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ لِتَوْدِيعِ الْبَيْتِ وَطَوَافُ الصَّدْرِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ صُدُورِ النَّاسِ مِنْ مَكَّةَ (وَسُنَّ بَعْدَهُ) أَيْ طَوَافِ الْوَدَاعِ (تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَرَكْعَتَانِ) كَغَيْرِهِ وَإِذَا وَدَّعَ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ) نَصًّا (وَنَحْوِهِ) كَقَضَاءِ حَاجَةٍ فِي طَرِيقِهِ أَوْ شِرَاءِ زَادٍ أَوْ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ (أَوْ أَقَامَ) بَعْدَهُ (أَعَادَهُ) أَيْ طَوَافَ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اشْتِغَالُهُ بِنَحْوِ شَدِّ رَحْلِهِ (وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ - وَنَصُّهُ: أَوْ الْقُدُومَ - فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَجْزَأَهُ) عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ وَقَدْ فَعَلَ وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ فَأَجْزَأَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى، كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَعَكْسِهِ وَإِنْ نَوَى بِطَوَافِهِ الْوَدَاعَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَفِي الْحَدِيثِ {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} (فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعَ رَجَعَ) إلَيْهِ وُجُوبًا بِلَا إحْرَامٍ إنْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ لِإِتْمَامِ نُسُكٍ مَأْمُورٍ بِهِ، كَمَا لَوْ رَجَعَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ (وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ إنْ بَعُدَ) عَنْ مَكَّةَ، يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ ثُمَّ يُوَدِّعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ (فَإِنْ شَقَّ) رُجُوعٌ مِنْ بُعْدٍ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَسَافَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ (أَوْ بَعُدَ) عَنْهَا (مَسَافَةَ قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ (فَعَلَيْهِ دَمٌ بِلَا رُجُوعٍ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ الْحَيْضِ، كَسَائِرِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَإِنْ رَجَعَ لِلْوَدَاعِ مِنْ بَعْدِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يُسْقِطْ دَمَهُ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، لِخِلَافِ الْقَرِيبِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ الرُّجُوعَ أَوْ لَا إذْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ (وَلَا وَدَاعَ عَلَى حَائِضٍ) لِلْخَبَرِ (وَ) لَا عَلَى (نُفَسَاءَ) لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِيمَا يَمْنَعُهُ وَغَيْرُهُ (إلَّا أَنْ تَطْهُرَ) الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ (قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ) أَيْ بُنْيَانِ مَكَّةَ فَيَلْزَمُهَا الْعَوْدُ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ الرُّخَصَ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ لَمْ تَعُدْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهَا دَمٌ (ثُمَّ) بَعْدَ وَدَاعِهِ (يَقِفُ فِي الْمُلْتَزَمِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ (بَيْنَ الرُّكْنِ) الَّذِي بِهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ (وَالْبَابِ) أَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ (مُلْصِقًا بِهِ) أَيْ الْمُلْتَزَمِ (جَمِيعَهُ) بِأَنْ يُلْصِقَ بِهِ وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ لِحَدِيثِ {عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا جَاءَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْت: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيَقُولُ) عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ (اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُك وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ؛ وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ مَنَّ يَمُنُّ لِلدُّعَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْآنُ: الْوَقْتُ (قَبْلَ أَنْ تَنْأَى) أَيْ تَبْعُدَ (عَنْ بَيْتِكَ دَارِي وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي) أَيْ زَمَنُهُ (إنْ أَذِنْت لِي غَيْرُ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلَا عَنْ بَيْتِك اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ (الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي وَالْعِصْمَةَ) أَيْ الْمَنْعَ مِنْ الْمَعَاصِي (فِي دِينِي وَأَحْسِنْ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ (مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيَدْعُو) بَعْدَ ذَلِكَ (بِمَا أَحَبَّ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْتِي الْحَطِيمَ أَيْضًا) نَصًّا (وَهُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ) فَيَدْعُو (ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (وَيُقَبِّلَهُ) ثُمَّ يَخْرُجُ. قَالَ أَحْمَدُ: فَإِذَا وَلَّى لَا يَقِفُ وَلَا يَلْتَفِتُ فَإِذَا الْتَفَتَ رَجَعَ فَوَدَّعَ أَيْ اسْتِحْبَابًا إذْ لَا دَلِيلَ لِإِيجَابِهِ، بَلْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إذَا كِدْتَ تَخْرُجُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَالْتَفِتْ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ وَرَوَى حَنْبَلٌ عَنْ الْمُهَاجِرِ قَالَ: قُلْت لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " الرَّجُلُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي فَإِذَا انْصَرَفَ خَرَجَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَامَ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: مَا كُنْت أَحْسَبُ يَصْنَعُ هَذَا إلَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَشْيُ قَهْقَرَى بَعْدَ وَدَاعِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ (وَتَدْعُو حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ نَدْبًا وَسُنَّ دُخُولُ الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ (بِلَا خُفٍّ وَبِلَا سِلَاحٍ) نَصًّا فَيُكَبِّرُ فِي نَوَاحِيهِ وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُو وَالنَّظَرُ إلَيْهِ عِبَادَةٌ نَصًّا قَالَ ابْنُ عُمَرَ {دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْت أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ أُسَامَةَ " لَمْ يُصَلِّ فِيهِ " وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فَلَا بَأْسَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَهُوَ مَسْرُورٌ، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ كَئِيبٌ فَقَالَ: إنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي} (وَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ (زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي}. وَفِي رِوَايَةٍ {مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي} وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ} قَالَ أَحْمَدُ: وَإِذَا حَجَّ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الشَّامِ لَا يَأْخُذُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ بِهِ حَدَثٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مَكَّةَ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَلَا يَتَشَاغَلُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ مَا وَرَدَ وَتَقَدَّمَ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ وَسَطَ الْقَبْرِ (فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُسْتَقْبِلًا لَهُ) مُوَلِّيًا ظَهْرَهُ الْقِبْلَةَ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَدْعُوَ) لِنَفْسِهِ وَوَالِدِيهِ وَإِخْوَانِهِ وَالْمُسْلِمِينَ بِمَا أَحَبَّ (وَيُحَرَّمُ الطَّوَافُ بِهَا) أَيْ الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، بَلْ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَيُكْرَهُ التَّمَسُّحُ) بِالْحُجْرَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الشِّرْكِ وَكَذَا مَسُّ الْقَبْرِ أَوْ حَائِطِهِ وَلَصْقُ صَدْرِهِ بِهِ وَتَقْبِيلُهُ (وَ) يُكْرَهُ (رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَهَا) أَيْ الْحُجْرَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّوْقِيرِ كَحَالِ الْحَيَاةِ (وَإِذَا تَوَجَّهَ) أَيْ قَصَدَ الْمُسَافِرُ الْوَجْهَ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ بِأَنْ بَلَغَ غَايَةَ قَصْدِهِ، وَأَدَارَ وَجْهَهُ إلَى بَلَدِهِ (هَلَّلَ) فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (ثُمَّ قَالَ: آيِبُونَ) أَيْ رَاجِعُونَ (تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) وَكَانُوا يَغْتَنِمُونَ أَدْعِيَةَ الْحَاجِّ قَبْلَ أَنْ يَتَلَطَّخَ بِالذُّنُوبِ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَيَسُنُّ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءَ وَيُصَلِّي فِيهِ.
|